لا تبكي ِ ... يا حيزان
نقرأ كثيرًا ونسمع عن قصص مؤسفة تتحدث عن العقوق الذي يسود العلاقات العائلية في بعض الأسر، وتنتج عنه تصرفات مشينة تثير الغضب والاشمئزاز رغم قلتها لكنها في مجتمع محافظ تبدو غريبة، ونسمع كثيرًا عن قضايا وصراعات عائلية تصل إلى المحاكم وتأخذ طابعًا حادًا في الصراع بين أفراد بعض الأسر في قضايا الإرث وتنتج عنها قطيعة في الرحم التي أمر الله بها أن توصل، وانقطاع في التواصل ويتجاهل الجميع في سلوكهم ما نصت عليه تعاليم الشريعة السمحة من حث على صلة الرحم واعتبارها مطلبًا شرعيًا يفترض أن يؤديه كل مسلم.
وقد شدني موضوع نشر في احدى الصحف ورد في مقدمته صراع حاد بين أخوين يناقش حاجة أحد المواطنين واسمه حيزان الى المساعدة المادية ولن أتحدث عن هذا الجانب ذلك أن موضوعي يختلف، ما سأتحدث عنه هو بكاء حيزان، حيزان رجل مسن من بكى في المحكمة حتى ابتلت لحيته، فما الذي أبكاه؟ هل هو عقوق أبنائه أم خسارته في قضية أرض متنازع عليها، أم هي زوجته رفعت عليه قضية خلع؟
في الواقع ليس هذا ولا ذاك، ما أبكى حيزان هو خسارته قضية غريبة من نوعها، فقد خسر القضية أمام أخيه، لرعاية أمه العجوز التي لا تملك سوى خاتم من نحاس!!
فقد كانت العجوز في رعاية ابنها الأكبر حيزان، الذي يعيش وحيداً، وعندما تقدمت به السن جاء أخوه من مدينة أخرى ليأخذ والدته لتعيش مع أسرته، لكن حيزان رفض محتجاً بقدرته على رعايتها، وكان أن وصل بهما النزاع إلى المحكمة ليحكم القاضي بينهما، لكن الخلاف احتدم وتكررت الجلسات وكلا الأخوين مصرّ على أحقيته برعاية والدته، وعندها طلب القاضي حضور العجوز لسؤالها، فأحضرها الأخوان يتناوبان حملها.
وبسؤالها عمن تفضل العيش معه، قالت وهي مدركة لما تقول: هذا عيني مشيرة إلى حيزان وهذا عيني الأخرى مشيرة إلى أخيه، وعندها اضطر القاضي أن يحكم بما يراه مناسبًا، وهو أن تعيش مع أسرة الأخ الأصغر فهم الأقدر على رعايتها، وهذا ما أبكى حيزان.
ما أغلى الدموع التي سكبها حيزان، دموع الحسرة على عدم قدرته على رعاية والدته بعد أن أصبح شيخًا مسنًا، وما أكبر حظ الأم لهذا التنافس، ليتني أعلم كيف ربّت ولديها للوصول لمرحلة التنافس في المحاكم على رعايتها، هو درس نادر في البر في زمن شحّ فيه البر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( منقوووووووووووول )